هؤلاء هم مرشحو القوى المسيحية الاساسية.. هل قَبِل أزعور مهمة انتحارية؟
لم يأخذ النقاش حول ترشيح سليمان فرنجية وقتاً طويلاً بين القوى المحلية. من وافق وافق، ومن اعترض واصل اعتراضه. لكن فسحة الوقت التي تركت لحوارات بين الأطراف الداخلية، كان يجري استثمارها دقيقة بدقيقة في مناقشات مع الأطراف الخارجية المعنية بالملف اللبناني. والنتيجة، أن الخلاف الداخلي بقي قائماً، فيما حصل تحول خارجي تمثل في موافقة فرنسا على التسوية التي تقضي بوصول فرنجية الى بعبدا مقابل وصول نواف سلام الى السرايا الكبيرة. وهي خطوة كانت لها تتمّتها بنيل فرنسا ما يشبه التفويض الأميركي من جهة، وإقناع السعودية بسحب موقفها الرافض لوصول رئيس تيار المردة إلى الرئاسة.
حصل كل ذلك في لحظة تبدّل التقاطعات الإقليمية والدولية. لكن الأمر لم ينعكس على لبنان كما كان يحصل سابقاً. بل على العكس، بدا اللبنانيون في لحظة مزيد من الافتراقات التي انتهت الى المواجهة القائمة حالياً. وجرت الإطاحة بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، مع تبدّل في التحالفات (أُطلق عليها اسم تقاطعات)، وكان البارز فيها انتقال التيار الوطني الحر الى موقع آخر. وكلام النائب جبران باسيل عن أن الآخرين أتوا إليه وليس هو من ذهب إليهم، لا يلغي أنهم أتوا إليه تلبيةً لدعوته إسقاط فرنجية، وبالتالي مواجهة الفريق الداعم للأخير.
أدوات هذه المعركة لا تختلف عما هو متعارف عليه. هناك عناصر قوة يجب تجميعها. تبدأ باختيار الشخصية الأقل إشكالية مع القوى المستهدفة بالتحالف الجديد، وتمرّ بتوفير الغطاء الطائفي الذي يعني الكثير في بلد كلبنان، وتنتهي بتعديل قواعد التفاهمات الخارجية حيال الملف الرئاسي. وحتى اللحظة، يبدو أن الخطة تعمل بشكل جيد. إذ تم اختيار جهاد أزعور باعتباره «نقطة تقاطع» بين مكوّنات الفريق المرشح له، ثم أضفي الطابع المسيحي على الترشيح بأخذ مباركة الكنيسة المارونية، لتنطلق المساعي من أجل تعديل واقع التحالفات الخارجية، استناداً إلى حركة فاتيكانية من جهة، وعدم ممانعة سعودية - أميركية لإسقاط فرنجية من جهة ثانية.
لكن، من السذاجة التصرف وكأن هناك تحالفاً وثيقاً بين داعمي أزعور. معظم هؤلاء لم يختاروا اسمه أولاً. وعندما فكروا بالمرشح الأنسب لهم، كانت هناك لائحة أخرى، فالنائب باسيل كان يفضل الوزير السابق زياد بارود، غير أن «الفيتو الحادّ» من القوات اللبنانية أسقطه من اللائحة. والقوات تفضّل قائد الجيش العماد جوزيف عون، لكنها اصطدمت بـ«فيتو حادّ» من باسيل، ومعه بعض النواب المستقلين. أما بقية الأسماء، ولا سيما منها صلاح حنين الذي يحظى أيضاً بدعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وشخصيات من فريق 14 آذار، فهو «لا يصلح» لمواجهة فرنجية في هذه اللحظة.
ما حصل فعلياً هو أن توافق هذه القوى على دعم أزعور، شكّل الخطوة الأولى في معركة تهدف إلى أمرين:
اشتراك كل هؤلاء في معركة منع وصول سليمان فرنجية الى بعبدا.
اضطرارهم للاتفاق على مرشح ليغادروا موقع الاحتجاج الكلامي على فرنجية فقط.
لكن اليوم التالي لإعلان التفاهم على أزعور سيعيد كل من هذه القوى الى حساباتها الأصلية. باسيل، مثلاً، لا يريد خوض معركة مفتوحة لإيصال أزعور الى الرئاسة. وهو إن سمع كلاماً من حزب الله عن استعداد للتفاوض من جديد حول اسم الرئيس وبرنامجه، سيعود ليخرج أرنباً آخر من جيبه، بل أكثر من ذلك، سيكون مستعداً لترك التحالف الحالي حول أزعور، وحجّته بيده، ذلك أنه يعتبر ما حصل لا يتعدّى إطار التقاطع، وأن هناك فرصة لرئيس توافقي. لكنه يكون قد حقق هدفه المركزي بإطاحة فرنجية.
كذلك هي حال القوات وآخرين معها، فهم لن يذرفوا الدموع على أزعور، إذا تحقق الهدف المركزي بإطاحة فرنجية. وسيعودون الى مرشحهم الحقيقي قائد الجيش العماد جوزيف عون. وفي متابعة لتفاصيل رافقت التفاوض على أزعور، نقل مسؤولون في القوات عن سمير جعجع قوله لأزعور عندما التقاه في زيارة الأخيرة لبيروت قبل أسبوع: «تعرف أنك لست مرشّحنا الأساسي، ونحن نفضّل وصول قائد الجيش، لكن التعقيدات القائمة جعلتنا نقبل بك كمرشح تسوية في وجه فرنجية».
عملياً، الخلاصة الأكيدة من ترشيح أزعور تنحصر بهدف إطاحة فرنجية، وليس الإتيان به رئيساً، وهو الأمر الثابت في عقول كل اللاعبين المحليين أو الاقليميين.
لكن، ما هو دور أزعور؟
لا يخفي الأخير، في لقاءاته الأخيرة غير المعلنة، أنه ناقش مع الجميع بعض النقاط المتصلة بالرئاسة، وأنه أعرب عن رغبته في استثمار التوافق الحالي عليه للحصول على دعم الآخرين، ما يجعله مرشحاً توافقياً. وهو، أساساً، لم يجد من يناقشه في برنامج عمل مفصّل. بل طرحت عليه أسئلة عامة يمكن توقّعها من الفريق المهتم بإسقاط فرنجية أو بمواجهة مع حزب الله. لكن من غير الواضح لماذا لجأ أزعور الى التركيز على أنه يريد التمايز عمّن سبقه، وأنه لا يمثل مشروع زعامة، ولن يكون منافساً للمرجعيات القائمة، ولا يريد حصصاً في أدوات الحكم، أو تسمية وزراء له، ولا ترشيح موظفين لتولّي مناصب إدارية عليا أو دنيا في الإدارة العامة، كما أنه ليس معنياً بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة. ربما فكّر بأن هذا يخفف من «خشية» موجودة لدى داعميه، لكن حقيقة الأمر أن هؤلاء لا يهتمون لكل ذلك، وما يريدون سماعه منه هو كلمتان: مستعد للمواجهة!
وفق هذه القاعدة، صار أزعور مرشح مواجهة في وجه قسم من اللبنانيين. وليس مهماً إن وصف هو نفسه بأنه ليس مرشح مواجهة، لأنه عندما يوافق على خوض معركة، جرى تحديد عناوينها وأهدافها من قبل داعميه، يكون قد وافق على كونه واجهة لمعركتهم الهادفة حصراً الى إطاحة فرنجية. وفي هذا نوع من «السذاجة السياسية». إذ لا يمكنه القفز فوق الاعتبارات التي حكمت موقف من رشّحه، ليطلب الحوار مع الفريق الداعم لفرنجية بغية الحصول على تأييده. بل على العكس، فقد أصبج في نظر داعمي فرنجية مجرّد خصم وعنوانٍ لمعركة ومواجهة حقيقية. وهذا يعني أن عليه إما الانسحاب من معركة لم يقرّر هو موعدها ولا عنوانها، ولا يملك أدواتها، وإما القبول بأن يكون جندياً في معركة فريق، يضم داخله من يريدون مواجهة حزب الله فقط، أو جرّ حزب الله إلى تفاوض على صفقة لا يكون أزعور ضمنها.
أمام الرجل ساعات ليتصرف كمتحكّم بالمعركة. بعدها، لن يُترك له سوى الإطلالة على الشاشات شارحاً برنامجاً لم يسأله عنه من دعمه أولاً، ولن ينصت إليه الآخرون ممّن سينبشون كل القبور في معركة شديدة الاحتدام.
حصل كل ذلك في لحظة تبدّل التقاطعات الإقليمية والدولية. لكن الأمر لم ينعكس على لبنان كما كان يحصل سابقاً. بل على العكس، بدا اللبنانيون في لحظة مزيد من الافتراقات التي انتهت الى المواجهة القائمة حالياً. وجرت الإطاحة بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، مع تبدّل في التحالفات (أُطلق عليها اسم تقاطعات)، وكان البارز فيها انتقال التيار الوطني الحر الى موقع آخر. وكلام النائب جبران باسيل عن أن الآخرين أتوا إليه وليس هو من ذهب إليهم، لا يلغي أنهم أتوا إليه تلبيةً لدعوته إسقاط فرنجية، وبالتالي مواجهة الفريق الداعم للأخير.
أدوات هذه المعركة لا تختلف عما هو متعارف عليه. هناك عناصر قوة يجب تجميعها. تبدأ باختيار الشخصية الأقل إشكالية مع القوى المستهدفة بالتحالف الجديد، وتمرّ بتوفير الغطاء الطائفي الذي يعني الكثير في بلد كلبنان، وتنتهي بتعديل قواعد التفاهمات الخارجية حيال الملف الرئاسي. وحتى اللحظة، يبدو أن الخطة تعمل بشكل جيد. إذ تم اختيار جهاد أزعور باعتباره «نقطة تقاطع» بين مكوّنات الفريق المرشح له، ثم أضفي الطابع المسيحي على الترشيح بأخذ مباركة الكنيسة المارونية، لتنطلق المساعي من أجل تعديل واقع التحالفات الخارجية، استناداً إلى حركة فاتيكانية من جهة، وعدم ممانعة سعودية - أميركية لإسقاط فرنجية من جهة ثانية.
لكن، من السذاجة التصرف وكأن هناك تحالفاً وثيقاً بين داعمي أزعور. معظم هؤلاء لم يختاروا اسمه أولاً. وعندما فكروا بالمرشح الأنسب لهم، كانت هناك لائحة أخرى، فالنائب باسيل كان يفضل الوزير السابق زياد بارود، غير أن «الفيتو الحادّ» من القوات اللبنانية أسقطه من اللائحة. والقوات تفضّل قائد الجيش العماد جوزيف عون، لكنها اصطدمت بـ«فيتو حادّ» من باسيل، ومعه بعض النواب المستقلين. أما بقية الأسماء، ولا سيما منها صلاح حنين الذي يحظى أيضاً بدعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وشخصيات من فريق 14 آذار، فهو «لا يصلح» لمواجهة فرنجية في هذه اللحظة.
ما حصل فعلياً هو أن توافق هذه القوى على دعم أزعور، شكّل الخطوة الأولى في معركة تهدف إلى أمرين:
اشتراك كل هؤلاء في معركة منع وصول سليمان فرنجية الى بعبدا.
اضطرارهم للاتفاق على مرشح ليغادروا موقع الاحتجاج الكلامي على فرنجية فقط.
لكن اليوم التالي لإعلان التفاهم على أزعور سيعيد كل من هذه القوى الى حساباتها الأصلية. باسيل، مثلاً، لا يريد خوض معركة مفتوحة لإيصال أزعور الى الرئاسة. وهو إن سمع كلاماً من حزب الله عن استعداد للتفاوض من جديد حول اسم الرئيس وبرنامجه، سيعود ليخرج أرنباً آخر من جيبه، بل أكثر من ذلك، سيكون مستعداً لترك التحالف الحالي حول أزعور، وحجّته بيده، ذلك أنه يعتبر ما حصل لا يتعدّى إطار التقاطع، وأن هناك فرصة لرئيس توافقي. لكنه يكون قد حقق هدفه المركزي بإطاحة فرنجية.
كذلك هي حال القوات وآخرين معها، فهم لن يذرفوا الدموع على أزعور، إذا تحقق الهدف المركزي بإطاحة فرنجية. وسيعودون الى مرشحهم الحقيقي قائد الجيش العماد جوزيف عون. وفي متابعة لتفاصيل رافقت التفاوض على أزعور، نقل مسؤولون في القوات عن سمير جعجع قوله لأزعور عندما التقاه في زيارة الأخيرة لبيروت قبل أسبوع: «تعرف أنك لست مرشّحنا الأساسي، ونحن نفضّل وصول قائد الجيش، لكن التعقيدات القائمة جعلتنا نقبل بك كمرشح تسوية في وجه فرنجية».
عملياً، الخلاصة الأكيدة من ترشيح أزعور تنحصر بهدف إطاحة فرنجية، وليس الإتيان به رئيساً، وهو الأمر الثابت في عقول كل اللاعبين المحليين أو الاقليميين.
لكن، ما هو دور أزعور؟
لا يخفي الأخير، في لقاءاته الأخيرة غير المعلنة، أنه ناقش مع الجميع بعض النقاط المتصلة بالرئاسة، وأنه أعرب عن رغبته في استثمار التوافق الحالي عليه للحصول على دعم الآخرين، ما يجعله مرشحاً توافقياً. وهو، أساساً، لم يجد من يناقشه في برنامج عمل مفصّل. بل طرحت عليه أسئلة عامة يمكن توقّعها من الفريق المهتم بإسقاط فرنجية أو بمواجهة مع حزب الله. لكن من غير الواضح لماذا لجأ أزعور الى التركيز على أنه يريد التمايز عمّن سبقه، وأنه لا يمثل مشروع زعامة، ولن يكون منافساً للمرجعيات القائمة، ولا يريد حصصاً في أدوات الحكم، أو تسمية وزراء له، ولا ترشيح موظفين لتولّي مناصب إدارية عليا أو دنيا في الإدارة العامة، كما أنه ليس معنياً بالترشح للانتخابات النيابية المقبلة. ربما فكّر بأن هذا يخفف من «خشية» موجودة لدى داعميه، لكن حقيقة الأمر أن هؤلاء لا يهتمون لكل ذلك، وما يريدون سماعه منه هو كلمتان: مستعد للمواجهة!
وفق هذه القاعدة، صار أزعور مرشح مواجهة في وجه قسم من اللبنانيين. وليس مهماً إن وصف هو نفسه بأنه ليس مرشح مواجهة، لأنه عندما يوافق على خوض معركة، جرى تحديد عناوينها وأهدافها من قبل داعميه، يكون قد وافق على كونه واجهة لمعركتهم الهادفة حصراً الى إطاحة فرنجية. وفي هذا نوع من «السذاجة السياسية». إذ لا يمكنه القفز فوق الاعتبارات التي حكمت موقف من رشّحه، ليطلب الحوار مع الفريق الداعم لفرنجية بغية الحصول على تأييده. بل على العكس، فقد أصبج في نظر داعمي فرنجية مجرّد خصم وعنوانٍ لمعركة ومواجهة حقيقية. وهذا يعني أن عليه إما الانسحاب من معركة لم يقرّر هو موعدها ولا عنوانها، ولا يملك أدواتها، وإما القبول بأن يكون جندياً في معركة فريق، يضم داخله من يريدون مواجهة حزب الله فقط، أو جرّ حزب الله إلى تفاوض على صفقة لا يكون أزعور ضمنها.
أمام الرجل ساعات ليتصرف كمتحكّم بالمعركة. بعدها، لن يُترك له سوى الإطلالة على الشاشات شارحاً برنامجاً لم يسأله عنه من دعمه أولاً، ولن ينصت إليه الآخرون ممّن سينبشون كل القبور في معركة شديدة الاحتدام.